الجمعة، 27 يونيو 2025

صورة الكون فى خيال العلماء والفلاسفة قديما وحديثا.



مالذى نعرفه عن الكون؟..وماهى صورتنا عنه؟..من أين أتى الكون؟..وهل له بداية ونهاية؟..وماهو الزمن ؟..وما كنهه وماهيته؟..وهل هناك بداية ونهاية للزمان؟...

من أولى المحاولات لتخيل صورة الكون هى محاولة الفيلسوف الاغريقى أرسطو حيث اعتقد أرسطو أن الأرض كرة مستديرة وليست مسطحة كما كان يعتقد من قبل..وكانت علته فى ذلك راجعة لعدة أسباب أولها أن خسوف القمر يحدث عندما تكون الارض بين الشمس والقمر وظل الأرض يكون مستديرا على القمر وهذا يوضح أن الأرض كرة مستديرة ولو كانت الأرض قرصا مسطحا لاصبح ظلها على القمرمطولا اهليليجيا...

والسبب الثاني أن النجم الشمالى عند رؤيته في الجنوب يكون منخفضا فى السماء عن الشمال..

أما السبب الاخير أنه عندما تكون سفينة مقبلة عليك من الأفق فإنك ترى اشرعتها أولا ثم ترى جسمها بعد ذلك وهذا لا يتأتى الا إذا كانت الأرض كروية مستديرة..

ولكن أرسطو كان لديه اعتقاد خاطئ بأن الأرض هى مركز الكون ..حيث أعتقد أن الأرض ثابتة والكواكب والشمس تدور حولها.

واتفق بطليموس معه فى هذا الاعتقاد بل وطوره إلى نموذج متكامل تدور فيه الشمس والكواكب حول الأرض.

إلا أن فى القرن السادس عشر تم طرح نموذج آخر بواسطة عالم الفلك نيكولاس كوبرنيكوس وقال فيه أن الشمس هى المركز والأرض والكواكب تدور حولها..كان هذا الأمر منافى للدين وقتها حيث كان يعتقد بالمبدأ الانسانى وهو أن الأرض لها وضعية متميزة حيث هى مركز الكون واى شئ غير ذلك ينفى وضعية الأرض المميزة وينافى الدين والإيمان...

وبعدها جاء كبلر وجاليليو جاليليه وايدا نظرية كوبرنيكوس وفى بدايات القرن السابع عشر رصد جاليليو جاليليه كوكب المشتري واقماره ووجد أن اقمار المشترى تدور حوله وليست كما كانت فى نموذج بطليموس أن كل الاقمار والكواكب والشمس والنجوم تدور حول الأرض...لذا فليس من الحقيقة أن كل شيء يدور حول الأرض.....

وطور كبلر الفكرة وقال أن الكواكب تدور حول الشمس في مسارات اهليليجية وليست دوائر إنما فى دوائر مطولة وهذا هو الشكل الاهليليجى......

وقد عانى جاليليو جاليليه الأمرين لدى اكتشافه تلك النظرية الخاصة بمركزية الشمس وليس الأرض حيث اتهمته الكنيسة بالهرطقة وكاد أن يعدم لولا أن تخلى عن أقواله بمركزية الشمس.....

إلا أن الفتح الحقيقي فى العلم وفى رصد صورة العلماء عن الكون كان فى إبداع إيزاك نيوتن وذلك عندما أتى بقوانين الجاذبية وميكانيكا الحركة الكلاسيكية للأجسام وذلك فى كتابه (المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية)وبهذا اكتمل نموذج جاليليو وكبلر حيث أتى نيوتن بالتفسير الرياضى اللازم لحركة الكواكب حول الشمس وحركة القمر حول الأرض ولماذا هى فى مسارات اهليليجية وليست دائرية.....

إلا أن ميكانيكا نيوتن أثارت مشكلة خاصة بتوزيع النجوم في الكون ..وهل الكون متناهى استاتيكى كما كان يعتقد دائما أم لا؟......

إلا أن الفيلسوف الألماني الكبير ايمانويل كانط تناول تلك المشكلة فى كتابه (نقد العقل الخالص)فى القرن الثامن عشر واثار نقطتين كبيرتين وهما تعتبرا حجتين على أن الكون متناهى أو لامتناهى اى له بداية أو ليس له بداية.......

وقال كانط أن إذا لم يكن للكون بداية فسيكون هناك فترة لانهائية قبل كل حدث وإذا كانت له بداية فستكون هناك فترة زمان لانهائيه قبله......

أما بالنسبة إلى أن الكون استاتيكى أم لا..فالعجيب أن مخيلة العلماء لم تجب عن فكرة أن الكون يتمدد أم لا حتى أتى القرن العشرين الذى لم يطلق عليه قرن الفيزياء من فراغ..حيث تمت معظم الاكتشافات الفيزيائية الحديثة فيه ..وتمت صياغة واكتشاف النظريات الفيزيائية الكبرى فيه أيضا.....

وفى القرن العشرين رصد ادوين هابل بتلسكوبه نزوح المجرات البعيدة وتحركها بعيدا عنا وهذا كان أكبر الدلائل على أن الكون يتمدد....

وللتوضيح الأمر أشبه بالبالون الصغيرة إذا رسمنا عليها نجوما ..فيكون البالون هو الكون والنجوم على سطح البالون هى نجوم كوننا... فإذا نفخنا البالون فستبدو النجوم أنها تتحرك بعيداً عن بعضها... إذن فالكون يتمدد....

وأدى هذا الاكتشاف الى خروج نظرية الانفجار العظيم أو The big bang...لتفسير بداية ونشأة الكون ..وهى أهم نظريات الفيزياء الكونية عن نشأة الكون ..وتقول نظرية الانفجار العظيم أن الكون كان فى مايسمى بالمفردة أو الفذاذة Singularity

وهى نقطة متناهية الصغر بها كثافة لامتناهية والمكان والزمان يساويان صفر ونتيجة للحرارة والضغط الشديدين أدى ذلك لانبعاث الكون من المفردة لتكون بداية الكون....

لذا فالزمان بدايته مع بداية الكون ..يمكن القول بذلك...ولايمكن تعريف الزمان قبله...

لذا فصورة الإنسان عن الكون تدرجت عبر الأزمنة من الخيال إلى النظريات إلى المشاهدات العلمية وغيرها..وتتطور يوماً عن يوم الأبحاث العلمية الخاصة بالكون والفيزياء الكونية لسبر أغوار الكون والطبيعة والبيئة التى نعيش فيها........
 



 



الأربعاء، 25 يونيو 2025

الحضارة الاسلامية والترجمة.



لاشك أن تفاعل لغة اى أمة مع لغات الأمم الأخرى يزيد من ثقل ووزن تلك اللغة كما يخلق آفاقا عديدة ثقافية وعلمية ومعرفية لمتحدث هذه اللغة..كما أن تفاعل اللغات مع بعضها يقرب وجهات النظر بين المثقفين من أبناء تلك الأمم ويزيد من التبادل المعرفي بين الأمم المختلفة....

ويحدث ذلك التفاعل اللغوى عن طريق الترجمة ..والتى تعد أهم الوسائل للتفاعل اللغوى بين الأمم.. والموضوع الذى لا يمكن إغفاله عن فوائد الترجمة هى أن الترجمة تعد وقود أساسى للتقدم واهم بذور المعرفة والعلم كما تعد مطورا أصيلا للعلم والابحاث المعرفية والعلمية..ولاغنى لأى أمة عن الترجمة فهى تعتبر مشروع قومى ممتاز للكثير من الدول المتقدمة والناهضة أيضاً.

والترجمة فى الأساس هى حاجة طبيعية لدى الإنسان لتنمية المعرفة والانفتاح على الثقافات المتعددة..وقد قام المسلمون إبان الحضارة الإسلامية بالترجمة من لغات أخرى إلى العربية واستوعبوا ماترجموه من الحضارات الأخرى وزادوا عليها باكتشافات أكملت مسيرة التقدم من ناحية وشكلت فتحا باكتشافات ومناهج وأبواب علمية جديدة هائلة من ناحية أخرى.

أبدع المسلمون عن طريق الترجمة في مجالات عدة وتمت اكتشافات على أيديهم فى الفيزياء والكيمياء والرياضيات والهندسة والطب والفلك..كما أنشأوا نظريات معرفية وفلسفية واجتماعية..وتمكنوا من صياغة نظريات تاريخية وسياسية..كل هذا لأنهم بدأوا باستيعاب علوم ومعرفة الحضارات الأخرى وذلك عن طريق الترجمة ثم شقوا طريقهم بإعمال عقلهم والإبداع في صياغة الاكتشافات والنظريات العلمية التي نهل منها الغرب فيما بعد وشكلت باكورة انطلاقه نحو التقدم والازدهار الذى ينعم فيه الآن من رفاهية علمية وتكنولوجية وصناعية.

أكثر الحضارات التي ترجم منها المسلمون المؤلفات الى العربية هى الحضارة الإغريقية لأنها تميزت بإعمال العقل الابداعى والتفكير العلمي والفلسفى والاكتشافات الهندسية والرياضية والفلكية بالإضافة لكتاباتهم التى وثقت المحاورات الفلسفية والفكرية الثرية والراقية.

وذلك على عكس الحضارة الهندية والصينية القديمة ..حيث اعتمدت حضارات الشرق الأقصى القديمة على التجارب الحياتية وجانب منها اهتم بالاساطير والخرافات الشعبية.

ومع ذلك فقد ترجم المسلمون العديد من مؤلفات الحضارات المختلفة ومنها الحضارات الصينية والهندية والاغريقيةوالفارسية وغيرها.. وأخذوا منها ما يتوافق مع عقلهم وعقيدتهم وانطلقوا فى بحر الاكتشافات العلمية والنظريات الرياضية وفى شتى المجالات المعرفية والعلمية.

جدير بالذكر أن أهم حركات الترجمة فى الحضارة الإسلامية كانت على يد الخليفة العباسي هارون الرشيد الذى أنشأ (دار الحكمة) وابنه الخليفة المأمون الذى أنشأ (بيت الحكمة) وتلك المؤسستان العظيمتان كان لهما الأثر البالغ على حركة الترجمة حيث ترجمت أمهات الكتب من الحضارات المختلفة والتى أثرت عقول مفكرى وعلماء الغرب فيما بعد وأدت إلى عصور النهضة والتنوير فى أوروبا التى أدت فيما بعد إلى التطور العلمي والتكنولوجى فى العصور الحديثة.

وبعدها تمددت حركة الترجمة واتسعت رقعتها ومثلت حقبة حضارية ونقلة نوعية عظيمة فى العلم والثقافة والمعرفة فى الحضارة الإسلامية حيث مكنت الترجمة علماء المسلمين وفلاسفتهم من امتلاك الأساس الراسخ فى التفكير المنطقي والبحث باللغة العربية وذلك لقرون عدة مما نتج عنها اكتشافات ونظريات علمية ومعرفية فى شتى ميادين البحث العلمي والمعرفى.

لقد أدرك علماء المسلمين أثر الترجمة في تنوير العقل وتحفيز الابداع عن طريق النقل ثم الابداع والصياغة..ولذا فقد ترجموا ثم نقحوا وبحثوا وابدعوا.

وبالتالي فقدنقل مفكرى الغرب ماتوصلت إليه الحضارة الإسلامية من ابداع واكتشافات ونظريات ..ومن أهم أولئك المفكرين الذين نقلوا مؤلفات وابحاث علماء المسلمين إلى الحضارة الغربية هوالمفكر روجر بيكون وكان يقول أن مؤلفات علماء ومفكرى الحضارة الإسلامية هى أساس ومصدر العلوم فى الزمن الذى يعيش فيه.

وبالفعل عندما تم نقل المعرفة والعلم من الحضارة الإسلامية إلى أوروبا فى العصور الوسطى أدت إلى باكورة عصور النهضة والتنوير والتقدم وبدأ الغرب رحلته نحو النهضة بالترجمة من العربية إلى لغاته المختلفة واستوعب الغرب ماتم إنتاجه من نظريات وابحاث في الحضارة الإسلامية ثم ابدعوا بدورهم فى كافة المجالات المعرفية والعلمية والاجتماعية.

فى الختام يجب أن ننوه أنه لاغنى لأى أمة عن الترجمة كمشروع لبناء أجيال جديدة واعية ومثقفة وذات تفكير ومنهاج علمى منظم..فالترجمة تشبع العقول ثقافة وتنتج إبداعا..والترجمة طريق للتواصل بين ثقافات الشعوب المختلفة 
وسبيل عظيم للتقدم والنهضة وممر ممهد نحو التقدم العلمي والتكنولوجى الرائد.