الأربعاء، 25 يونيو 2025
الحضارة الاسلامية والترجمة.
لاشك أن تفاعل لغة اى أمة مع لغات الأمم الأخرى يزيد من ثقل ووزن تلك اللغة كما يخلق آفاقا عديدة ثقافية وعلمية ومعرفية لمتحدث هذه اللغة..كما أن تفاعل اللغات مع بعضها يقرب وجهات النظر بين المثقفين من أبناء تلك الأمم ويزيد من التبادل المعرفي بين الأمم المختلفة....
ويحدث ذلك التفاعل اللغوى عن طريق الترجمة ..والتى تعد أهم الوسائل للتفاعل اللغوى بين الأمم.. والموضوع الذى لا يمكن إغفاله عن فوائد الترجمة هى أن الترجمة تعد وقود أساسى للتقدم واهم بذور المعرفة والعلم كما تعد مطورا أصيلا للعلم والابحاث المعرفية والعلمية..ولاغنى لأى أمة عن الترجمة فهى تعتبر مشروع قومى ممتاز للكثير من الدول المتقدمة والناهضة أيضاً.
والترجمة فى الأساس هى حاجة طبيعية لدى الإنسان لتنمية المعرفة والانفتاح على الثقافات المتعددة..وقد قام المسلمون إبان الحضارة الإسلامية بالترجمة من لغات أخرى إلى العربية واستوعبوا ماترجموه من الحضارات الأخرى وزادوا عليها باكتشافات أكملت مسيرة التقدم من ناحية وشكلت فتحا باكتشافات ومناهج وأبواب علمية جديدة هائلة من ناحية أخرى.
أبدع المسلمون عن طريق الترجمة في مجالات عدة وتمت اكتشافات على أيديهم فى الفيزياء والكيمياء والرياضيات والهندسة والطب والفلك..كما أنشأوا نظريات معرفية وفلسفية واجتماعية..وتمكنوا من صياغة نظريات تاريخية وسياسية..كل هذا لأنهم بدأوا باستيعاب علوم ومعرفة الحضارات الأخرى وذلك عن طريق الترجمة ثم شقوا طريقهم بإعمال عقلهم والإبداع في صياغة الاكتشافات والنظريات العلمية التي نهل منها الغرب فيما بعد وشكلت باكورة انطلاقه نحو التقدم والازدهار الذى ينعم فيه الآن من رفاهية علمية وتكنولوجية وصناعية.
أكثر الحضارات التي ترجم منها المسلمون المؤلفات الى العربية هى الحضارة الإغريقية لأنها تميزت بإعمال العقل الابداعى والتفكير العلمي والفلسفى والاكتشافات الهندسية والرياضية والفلكية بالإضافة لكتاباتهم التى وثقت المحاورات الفلسفية والفكرية الثرية والراقية.
وذلك على عكس الحضارة الهندية والصينية القديمة ..حيث اعتمدت حضارات الشرق الأقصى القديمة على التجارب الحياتية وجانب منها اهتم بالاساطير والخرافات الشعبية.
ومع ذلك فقد ترجم المسلمون العديد من مؤلفات الحضارات المختلفة ومنها الحضارات الصينية والهندية والاغريقيةوالفارسية وغيرها.. وأخذوا منها ما يتوافق مع عقلهم وعقيدتهم وانطلقوا فى بحر الاكتشافات العلمية والنظريات الرياضية وفى شتى المجالات المعرفية والعلمية.
جدير بالذكر أن أهم حركات الترجمة فى الحضارة الإسلامية كانت على يد الخليفة العباسي هارون الرشيد الذى أنشأ (دار الحكمة) وابنه الخليفة المأمون الذى أنشأ (بيت الحكمة) وتلك المؤسستان العظيمتان كان لهما الأثر البالغ على حركة الترجمة حيث ترجمت أمهات الكتب من الحضارات المختلفة والتى أثرت عقول مفكرى وعلماء الغرب فيما بعد وأدت إلى عصور النهضة والتنوير فى أوروبا التى أدت فيما بعد إلى التطور العلمي والتكنولوجى فى العصور الحديثة.
وبعدها تمددت حركة الترجمة واتسعت رقعتها ومثلت حقبة حضارية ونقلة نوعية عظيمة فى العلم والثقافة والمعرفة فى الحضارة الإسلامية حيث مكنت الترجمة علماء المسلمين وفلاسفتهم من امتلاك الأساس الراسخ فى التفكير المنطقي والبحث باللغة العربية وذلك لقرون عدة مما نتج عنها اكتشافات ونظريات علمية ومعرفية فى شتى ميادين البحث العلمي والمعرفى.
لقد أدرك علماء المسلمين أثر الترجمة في تنوير العقل وتحفيز الابداع عن طريق النقل ثم الابداع والصياغة..ولذا فقد ترجموا ثم نقحوا وبحثوا وابدعوا.
وبالتالي فقدنقل مفكرى الغرب ماتوصلت إليه الحضارة الإسلامية من ابداع واكتشافات ونظريات ..ومن أهم أولئك المفكرين الذين نقلوا مؤلفات وابحاث علماء المسلمين إلى الحضارة الغربية هوالمفكر روجر بيكون وكان يقول أن مؤلفات علماء ومفكرى الحضارة الإسلامية هى أساس ومصدر العلوم فى الزمن الذى يعيش فيه.
وبالفعل عندما تم نقل المعرفة والعلم من الحضارة الإسلامية إلى أوروبا فى العصور الوسطى أدت إلى باكورة عصور النهضة والتنوير والتقدم وبدأ الغرب رحلته نحو النهضة بالترجمة من العربية إلى لغاته المختلفة واستوعب الغرب ماتم إنتاجه من نظريات وابحاث في الحضارة الإسلامية ثم ابدعوا بدورهم فى كافة المجالات المعرفية والعلمية والاجتماعية.
فى الختام يجب أن ننوه أنه لاغنى لأى أمة عن الترجمة كمشروع لبناء أجيال جديدة واعية ومثقفة وذات تفكير ومنهاج علمى منظم..فالترجمة تشبع العقول ثقافة وتنتج إبداعا..والترجمة طريق للتواصل بين ثقافات الشعوب المختلفة وسبيل عظيم للتقدم والنهضة وممر ممهد نحو التقدم العلمي والتكنولوجى الرائد.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق